أنت تعرف هذا النوع من البشر ، الذي بمُجرد ان ينتهى من مشاهدة فيلم أمريكي تدور احداثه فى القرن الثامن عشر .. يُغلق عينيه في بلاهة ، ويخبرك بأنه كم كان يتمنى أن يعيش فى هذا العصر الجميل ، بدلاً من الزمن الأسود الذي نعيشه اليوم !
النظافة الشخصية !
يؤسفني أن
أخبرك أن اعتقادك ان هؤلاء القوم كانوا يبدون شديدي الاناقة والنُبل – كما
فى الصورة – هو اعتقاد خاطئ تماماً .. ، بغض النظر عن كونهم جميعاً
تقريباً كانوا يرتدون هذه ( الباروكة ) العجيبة من الشعر الصناعي الملفوف ،
باعتبار أنها وسيلة العصر لإظهار أنهم من النُبلاء..
إلا ان الواقع كان بائساً فعلاً !
فى
هذا القرن ، كان من الممكن – بل والشائع ! – أن يولد الإنسان ويعيش طوال
حياته دون أن يستحم او يغتسل ولو لمرة واحدة ! .. أنا لا أتكلم هنا عن
الفُقراء ، بل أتكلم عن عادة اجتماعية كانت سائدة ، حتى بين علية القوم !
السبب
أنه كان هناك شبه اعتقاد وإيمان كامل من أغلب الناس أن الاستحمام ، أو وضع
الجسم فى حوض من الماء ؛ هو أمر خطير جداً ويعرض صحة الإنسان لخطر مُهلك
لا نجاة منه .. خصوصاً إذا كان هذا الماء دافئاً !
حتى
لو أصابك الجنون وقررت أن تضحي بحياتك وتغتسل ، فالمعتاد أن تغتسل وانت
نصف عاري .. وفي حالة اغتسلت وأنت عاري تماماً ، فهذا يعني بالنسبة لعقول
العامة وقتها أنك أصبحت فعلاً فى عداد الاموات ، وأنك لن تعيش اكثر من شهر !
رواسب
الغباء والتخلف الذي كان مُسيطراً علي الأوروبيين فى العصور الوسطى ، كانت
لاتزال تأخذ حيزاً كبيراً من عقولهم .. حتى بعد انطلاق الثورة الصناعية !
************************
مزيلات العرق
لم يكن
هذا الترفيه متوافراً وقتها طبعاً ، لذلك فقد كان الجميع مُعتاداً
ومتآلفاً مع روائح بعضهم البعض بسعة صدر يُحسدون عليها فى الواقع .. صورة
رائعة للتكافل الإجتماعي كما ترى !
أضف
إلى ذلك أيضاً المعلومة السابقة بأنهم نادراً ماكانوا يستحمون .. وستسنتج
فوراً مدى روعة الحياة وقتها ، وأنها كانت رومانسية ومليئة بالنبلاء كما
تظن .. أو كما تظنين ..
مزيلات
العرق لم تظهر فى اوروبا إلا فى فترة 1880 تقريباً .. اي فى اواخر القرن
التاسع عشر .. وكان الاغنياء يحاولون الهروب من هذه المأساة باستخدام كميات
كبيرة من العطور ( الرديئة ) بدون فائدة طبعاً !
الجميل
أن العرب والمسلمين عرفوا فكرة مزيلات العرق منذ القرن التاسع الميلادي
تقريباً ، وانتقلت إلى أوروبا مع قدوم الفنان التاريخي الاسطوري المسلم (
زرياب ) إلى الاندلس .. ومنها عرفت طريقها نظرياً إلى أوروبا ! .. ومع ذلك
لم يتم تصنيعها إلا فى أواخر القرن التاسع عشر ..
ثم
يأتون الآن ويتهمون العرب بالغوغائية وقلة الاهتمام بالشكل والمظهر .. على
الرغم من انهم بدأوا في صناعة مزيل العرق بعد عشرة قرون كاملة من انتشار
الفكرة وتطبيقها فى بلادنا !
**********************
ماذا عن النساء ؟
بدون الكثير
من الشرح في هذا الموضوع الحساس .. كل ما أستطيع أن أخبركم به فى هذا
الصدد ، أن أدوات إزالة الشعر من الجسد انتشرت فعلياً بين النساء فى
العشرينات من القرن الماضي ..
ماذا كانت تفعل النساء قبل ذلك ؟ .. الله أعلم .. هذه كانت مُشكلتهن الخاصة على أية حال ، لم تكن تواجه الرجال
***********************
عن دورات المياه و.. وهذه الامور !
الصورة أعلاه
ليست لمقلاة عتيقة لتحضير الأومليت أو طبخ الوجبات .. هذا ” الشيئ ”
الصغير كان هو المرادف لدورة المياه فى منزلك اليوم !
فى
القرن الثامن عشر لم يكن هناك طبعاً بنية تحتية ومواسير للصرف الصحي ..
كانت الحياة جميلة رومانسية بسيطة ، لدرجة قضاء الحاجة فى هذا الشيئ .. ثم
إلقاءها ببساطة من النافذة لتسقط على رأس المارة ، والذين كانوا حتماً
يتجاوبون مع هذا الأمر بروح معنوية ، باعتباره شيئاً اعتيادياً ومتوقعاً
جداً..
في إنتظار العبقري الذي سيظهر فى التعليقات ، ويسأل السؤال المتوقع :
كيف كان الناس يستخدمون هذا الجهاز ؟
الإجابة :
هذا متروك لخيالك الخصب
لدينا هنا صورة أخرى ربما تُساعدك فى التوصل إلى إجابة على أسئلتك !
أما
عن سؤالك الآخر المنطقي ، حول ما يُمكن فعله بعد الانتهاء من العملية
البيولوجية .. فالحقيقة ان ورق الحمام تم اختراعه فى القرن التاسع عشر ..
إلا أن الأغنياء كان لديهم الترفيه والارستقراطية الطبقية الكافية ، التى
تدفعهم لإستخدام خيوط من ورق الكتان لآداء هذه المهمة !
مرة أخرى .. ( الكيفية ) متروكة تماماً لخيالك الخصب !
*************************
حشرات الفراش
لا أعتقد
أنك من الممكن أن تشعر بالتقزز إذا حدثتك عن حشرات الفراش التى كانت أمراَ
طبيعياً فى هذه الفترة ، بعد كل الكوارث التى ذكرناها فى الأعلى..
ولكن
هذا الأمر تحديداً ، كان سببا رئيسياً فى انتشار الامراض إلى حد هائل بين
الناس ، خصوصاً الأمراض الخطيرة المميتة ، والتى كان يذهب ضحيتها الآلاف
سنوياً ..
كان
الحل الوحيد للتغلب على هذه التعاسة ، هو أن تقوم ربات البيوت بإلقاء
الكيروسين على الأسرّة والفُرش .. والاستلقاء عليها مُضطرين لتحمل الرائحة
الخانقة ..
حتى يضمنوا أنهم يستطيعون الحياة ليوم آخر!
**********************
نظافة الأسنان
كانت عملية
تنظيف الأسنان سهلة جداً وبعيدة عن التعقيد .. تناول أي قطعة قماش بجانبك
، وقم بوضعها فى فمك وتمريرها على أسنانك ولثتك !
( في الوقت الذي كنا نستخدم السواك والأعشاب المعطرة للفم ، منذ قرون عديدة .. كانوا هم يستخدمون قطع القماش ! )
هل
شاهدت سلسلة أفلام قراصنة الكاريبي ؟ .. إذا كنت قد شاهدته ، فستفهم ما
أعنيه تماماً عن حال أسنان هؤلاء القوم الذين كانوا يعيشون فى هذا الزمن ..
الامر
الذي كان يزيد من مأساة الحياة ، ان تسوس الأسنان وسقوطها كانت شائعاً لدي
النساء أكثر من الرجال .. والسبب طبعاً هو النقص الحاد في نسبة
الفيتامينات التى كانت تمر به النساء من فترات الحمل !
كان
هذا هو الامر الوحيد الذي نجا منه علية القوم والنبلاء فعلاً .. الذين
كانوا يعتمدون على معجون الأسنان الذي كانت تنتجه الشركة الإيطالية
( Marvis ) في اوائل القرن الثامن عشر .. إلا أن الفقراء طبعاً لم يكن من
اولوياتهم الحصول على معجون أسنان ، بدلاً من قطعة لحم تُشبعهم !
لم تكن من ضروريات الحياة !
************************
الشوارع .. الطرقات !
فى أكبر
المدن الاوروبية وأعرقها التى يمكن ان نقول عنها المدن العملاقة وقتها ..
كان مرورك فى أي شارع أو منطقة ( حتى التى تعيش فيها الأسر الحاكمة )
مُرفقاً دائماً برائحة فضلات الحيوانات والبشر ، فضلاً عن النباتات
المتعفنة !
تذكر
وقتها أنه لم يكن هناك على الإطلاق شيئ اسمه صرف صحي ! .. لذلك ، فعندما
تمشى فى الطرقات المليئة بالمياه ، وتمر بجانبك عربة خيول لأحد النبلاء ،
فتندثر المياه الغير نظيفة على وجهك وملابسك ..
كل
مايُمكنك أن تفعله ، كأحد نبلاء هذا العصر هو أن تبدي امتعاضك وضيقك ،
وانت تحاول مسح المياه من على وجهك ، مع جملة اعتراضية من نوع : oh my
goodness .. او سبّة بذيئة إذا كان لديك نفس المهارات اللغوية التى تمتلكها
فى هذا العصر !
***********************
الاكتشاف السحري !
فى القرن الثامن عشر ، سقطت أوروبا كلها فى عشق ( الزئبق ) !
تصوروا
ان هذا العنصر يضمن الحل الكامل لكل مشاكلهم ! .. استخدموه لمكافحة حشرات
الفراش وحشرات الجسم ، وكانوا يضعونه على اجسادهم لتطريبها ، بل وكانوا
ياكلونه أيضاً..
النتيجة : آلاف الوفيات طبعا !
ولكنه كان على الأقل يقدم نتائج ناجحة فيما يخص تنظيف اجسادهم من الحشرات .. حتى وإن أدى إلى مقتلهم فى النهاية !
**********************
أنت تتفق
معي الآن أننا نعيش فى زمن جميل جداً مقارنة بالعصور الماضية .. صحيح ان
حروبنا أصبحت دموية بشكل اكبر ، وأن الأخلاق انعدمت تقريباً ..
إلا
أنك على الأقل تستطيع أن تأخذ حماماً دافئاً مُنعشاً بسهولة ، ثم تندس فى
فراشك الوثير الدافئ ، وتقرأ هذا المقال عبر هاتفك الذكي الصغير في يدك !
كانوا
أبطالاً بمعنى الكلمة .. الإنسان الذي يستطيع أن يحيا هذه الحياة بهذه
الظروف ، هو بطل فعلاً بالنسبة لأبناء هذا العصر .. حتى لو لم يشعر وقتها
بمدى تعاسة الحياة التى يعيشها ..
تذكر
دائماً انه لولا اختراعات الناس وأفكارهم وتطورهم البطئ – الذي نضحك عليه
الآن ونسخر منه – ، لما وصلنا إلى ماوصلنا إليه من الترفيه والراحة والحياة
السهلة البسيطة..
بعد
أن قرأت هذه الوقائع والحقائق عن طريقة الحياة فى عصر النبلاء فى اوروبا
في بداية عصور النهضة .. هل مازلت تريد حقاً ان تعيش فى ذلك الزمن..
الأكثر هدوءاً ورومانسية وشجاعة ونبلاً ؟!